ميلاد الفن التشكيلي من المنشأ إلى المأزق
* أول تعبير عن الفن التشكيلى: في البدء كانت الرسوم البدائية هي الوسيلة الأولي للتعبير عن إنسان العصر الحجري.
وقد عبرت الرسوم التى تم اكتشافها في كهوف الصين عن هذه الرغبة الأزلية عند الإنسان في نقل الانطباعات والأفكار فوق الحجر عن طريق النقش والنحت. ومن هذه الساعة ولد أول عمل فني تشكيلي. ومن بين هذه الأعمال كان ذلك النحت المعبر عن خوف الإنسان من قسوة الطبيعة وضراوة الوحوش ورغبته في الانتصار عليها ... فنقش علي جدران الكهوف شكل بدائي للثور الوحشي وهو يتهاوى أمام ضربات الصياد.
كانت أيام ثقيلة ويملؤها الغموض .. ولكن إذا به يكتشف الإنسان في داخله الوسيلة السلمية والذكية لتفريغ الشحنات والانفعالات التي تعتريه من غضب وخوف ورغبة في السرد والقصص والتواصل مع الآخرين.
واستمرت الأجيال البشرية المتعاقبة في اعتناق هذا الأسلوب في التعبير ثم كان التطوير والتجديد وولدت بهذا أول قناة إعلامية ثقافية علي كوكب الأرض.
وتطورت الرسوم البدائية وأصبحت أكثر دقة ... وظهرت بمزيد من التفاصيل والأبعاد وخاصة عند اكتشاف الإنسان للألوان وتأثيرها في حياته.
وكانت الألوان الأساسية الأولي هي الأقرب إلي الطبيعة من حوله فوضع الإنسان يده علي اللون الأخضر (لون النبات) واللون الأزرق (لون السماء والبحر) واللون الأحمر (لون الشمس) واللون الأصفر (لون الرمال) . وقد تكونت بذلك أول (باليت) في التاريخ.
كانت اللغة الأولي قبل كل اللغات هي لغة الخطوط المرسومة قبل لغة الصوت والحرف والنغم.
وانطلقت مسيرة الرسم وتحولت تدريجياً عبر مئات الألوف من السنين من وسيلة تعبيرية أساسية للتواصل بين الأجيال والحضارات ونقل الواقع من جيل إلي جيل إلي أداة تعبير عن رؤى الإنسان لأفكاره الأكثر عمقاً ولمنحنيات أكثر تعقيداً في دهاليز النفس البشرية وبحث مضنى لاكتشاف مواطن الجمال والانسجام في الكون والإنسان والطبيعة.
وأطلق الفنان لخياله العنان ولم يعد يتقيد بالواقع وتفاصيله التي تراها عينه المجردة. وإنما نراه يغوص في الأبعاد والأعماق محاولاً استنباط أبجدية بصرية جديدة لكل شيء بدءاً من الشجرة والبحر والجبل وانتهائاً بالإنسان ومواقفه الحياتية وأحلامه وخيالاته.
فتفجرت طاقات إبداعية حرة ورؤي فنية مستقلة عن منظور النقل الحرفي للواقع .. وبمزيد من التمرد والرفض للمسلمات (كما هي طبيعة الفنان) تعددت أساليب التعبير من خط ولون وتكوين مما أطلق عليه النقاد (المدارس الفنية) .. وكما أن هناك قراءات متعددة ومختلفة للفكر الإنسانى عند الفلاسفة كان أيضاً هذا الاختلاف في المنظور والتفسير عند الفنان التشكيلي للأشياء.
وقد لا يرى المفسرون لهذه الظاهرة أية غرابة أو تناقض ... وحجتهم في ذلك هو اختلاف مظاهر الكون نفسه فكما أن الله الخالق والمبدع الأعظم وضع في الكون عدد لا حصر له من ألوان وأشكال وإيقاعات وخطوط في الورود والجبال والبحار والرمال والحيوانات والنجوم والكواكب تنطق كلها بالوفرة والكثرة العددية من التباين والاختلاف. وكما لكل إنسان بصمة وملامح مختلفة كذلك كانت إبداعات الفنانين لها أبجدية وملامح وطعم مختلف.
ولعل من أسباب سرور وإنتشاء متلقى الفن أنه يعبر فوق كل هذه الجسور والأساليب ويستنشق عبير كل مبدع ويقرأ فوق مسطح اللوحات والأعمال النحتية سطور من كتاب له ألف صفحة وصفحة وكل صفحة لها معناها الخاص وشخصيتها الخاصة وطعمها الفريد.
إنه الفن وإبداعاته ...
إنه العشق في ذاته ...
إنها حكمة الخالق في مخلوقاته ...
لكن ... ما هي علاقة الفنان التشكيلي بالأحداث الدائرة وكيف يؤثر فيها وتؤثر فيه... علاقته بالمجتمع والناس ... هل هناك مأزق؟! وإن كان فهل من مخرج؟
Bookmarks